الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ***
وفيه مسائل: الأولى في تفسيره. قال ابن السبكي: هو حكم شرعي يقدر في عين أو منفعة. يقتضي تمكن من ينسب إليه, من انتفاعه, والعوض عنه من حيث هو كذلك. فقولنا "حكم شرعي"; لأنه يتبع الأسباب الشرعية. وقولنا "يقدر"; لأنه يرجع إلى تعلق إذن الشرع, والتعلق عدمي, ليس وصفا حقيقيا بل يقدر في العين أو المنفعة, عند تحقق الأسباب المفيدة للملك. وقولنا: في عين, أو منفعة لأن المنافع تملك كالأعيان. وقولنا: "يقتضي انتفاعه" يخرج تصرف القضاة, والأوصياء, فإنه في أعيان أو منافع لا يقتضي انتفاعهم ولأنهم لا يتصرفون لانتفاع أنفسهم, بل لانتفاع المالكين. وقولنا: "والعوض عنه" يخرج الإباحات في الضيافات, فإن الضيافة مأذون فيها, ولا تملك. ويخرج أيضا: الاختصاص بالمساجد, والربط; ومقاعد الأسواق; إذ لا ملك فيها مع التمكن من التصرف. وقولنا: "من حيث هو كذلك", إشارة إلى أنه قد يتخلف لمانع لعرض, كالمحجور عليهم, لهم الملك وليس لهم التمكن من التصرف, لأمر خارجي. الثانية: قال في الكفاية: أسباب التملك ثمانية: المعاوضات. والميراث. والهبات. والوصايا. والوقف. والغنيمة. والإحياء. والصدقات. قال ابن السبكي: وبقيت أسباب أخر. منها, تملك اللقطة بشرطه. ومنها: دية القتيل, يملكها أولا, ثم تنقل لورثته, على الأصح.
ومنها: الجنين. الأصح: أنه يملك الغرة. ومنها: خلط الغاصب المغصوب بماله, أو بمال آخر لا يتميز, فإنه يوجب ملكه إياه. ومنها: الصحيح: أن الضيف يملك ما يأكله. وهل يملك بالوضع بين يديه, أو في الفم أو بالأخذ, أو بالازدراد يتبين حصول الملك قبيله؟ أوجه. ومنها: الوضع بين يدي الزوج المخالع على الإعطاء. ومنها: ما ذكره الجرجاني في المعاياة: أن السابي إذا وطئ المسبية كان متملكا لها, وهو غريب عجيب. قلت: الأخير إن صح داخل في الغنيمة, والذي قبله داخل في المعاوضات كسائر صور الخلع, وكذا الصداق. وأما مسألة الضيف: فينبغي أن يعبر عنها بالإباحة: لتدخل هي وغيرها من الإباحات التي ليست بهبة, ولا صدقة. ويعبر عن الدية والغرة بالجناية. ليشمل أيضا دية الأطراف والمنافع والجرح والحكومات. وقد قلت قديما: وفي الكفاية أسباب التملك خذ *** ثمانيا, وعليها زاد من لحقه الإرث, والهبة, الإحيا, الغنيمه والمـ *** ـعاوضات, الوصايا, الوقف, والصدقه والوضع بين يدى زوج يخالعها *** والضيف, والخلع للمغصوب والسرقه كذا الجناية مع تمليك لقطته *** والوطء للسبي فيما قال من سبقه قلت: الأخيرة إن صحت فداخلة *** في الغنم. والخلع في التعويض كالصدقه الثالثة: قال العلائي: لا يدخل في ملك الإنسان شيء بغير اختياره, إلا في الإرث اتفاقا, والوصية. إذا قيل: إنها تملك بالموت, لا بالقبول. والعبد, إذا ملك شيئا, فإنه يصح قبوله بغير إذن السيد في أحد الوجهين فيدخل في ملك السيد بغير اختياره وكذلك غلة الموقوف عليه, ونصف الصداق إذا طلق قبل الدخول; والمعيب إذا رد على البائع به. وأرش الجناية, وثمن النقص إذا تملكه الشفيع. والمبيع إذا تلف قبل القبض, دخل الثمن في ملك المشتري, وكذلك بما ملكه من الثمار, والماء النابع في ملكه. وما يسقط فيه من الثلج, أو ينبت فيه من الكلإ; ونحوه. قلت: وما يقع فيه من صيد, وصار مقدورا عليه, بتوحيل وغيره, على وجه. والإبراء من الدين, إذا قلنا: إنه تمليك لا يحتاج إلى قبول, في الأصح المنصوص, ولا يرتد بالرد على الأصح في زوائد الروضة. الرابعة: المبيع ونحوه من المعاوضات يملك بتمام العقد. فلو كان خيار مجلس, أو شرط. فهل الملك في زمن الخيار للبائع, استصحابا لما كان أو المشتري, لتمام البيع بالإيجاب والقبول, أو موقوف إن تم البيع, بان أنه للمشتري من حين العقد, وإلا فللبائع؟ أقوال. وصحح الأول فيما إذا كان الخيار للبائع وحده. والثاني: إذا كان للمشتري وحده. والثالث: إذا كان لهما. وهذه المسألة من غرائب الفقه, فإن لها ثلاثة أحوال, وفي كل حال ثلاثة أقوال, وصحح في كل حال من الثلاثة. ويقرب منها: الأقوال في ملك المرتد. فالأظهر: أنه موقوف إن مات مرتدا بان زواله من الردة وإن أسلم بان أنه لم يزل; لأن بطلان أعماله: يتوقف على موته مرتدا, فكذلك ملكه. والثاني: أنه يزول بنفس الردة; لزوال عصمة الإسلام, وقياسا على النكاح. والثالث: لا, كالزاني المحصن. قال الرافعي: والخلاف في زوال ملكه يجري أيضا في ابتداء التملك إذا اصطاد, واحتطب, فعلى الزوال لا يدخل في ملكه, ولا يثبت الملك فيه لأهل الفيء, بل يبقى على الإباحة, كما لا يملك المحرم الصيد إذا اصطاده, ويبقى على الإباحة, وعلى مقابله يملكه, كالحربي, وعلى الوقف موقوف. ويقرب من ذلك أيضا: ملك الموصى له والموصى به, وفيه أقوال. أحدها: يملك بالموت. والثاني: بالقبول, والملك قبله للورثة, وفي وجه: للميت. والثالث: وهو الأظهر موقوف. إن قبل, بان أنه ملكه بالموت, وإلا بان أنه كان للوارث. ويقرب من ذلك أيضا: الموهوب, وفيه أقوال. أظهرها: يملك بالقبض, وفي القديم بالعقد, كالبيع. والثالث: موقوف. إن قبضه, بان أنه ملكه بالعقد. ويقرب من ذلك أيضا: الأقوال في أن الطلاق الرجعي, هل يقطع النكاح؟ ففي قول: نعم, وفي قول: لا. وفي قول موقوف, إن راجع بان بقاء النكاح, وإلا بان زواله من حين الطلاق.
فوائد: الخلاف ينبني عليه في المبيع, والموصى به: كسب العبد, وما في معناه, كاللبن, والبيض, والثمرة, ومهر الجارية الموطوءة بشبهة, وسائر الزوائد, فهي مملوكة لمن له الملك. وموقوفة عند الوقف. وينبني عليه أيضا: النفقة. والفطرة, وسائر المؤن, كما صرح به الرافعي في الموصى به, وابن الرفعة في المبيع, خلافا لقول الجيلي: إنها على قول الوقف عليهما, أو ينبني على الخلاف في المرتد صحة تصرفاته. فعلى الزوال: لا يصح منه بيع, ولا شراء, ولا إعتاق, ولا وصية, ولا غيرها. وعلى مقابله: هو ممنوع من التصرف, محجور عليه كحجر المفلس, فيصح منه ما يصح من المفلس, دون غيره. وعلى الوقف: يوقف كل تصرف يحتمل الوقف, كالعتق والتدبير والوصية. وما لا يقبله: كالبيع والهبة والكتابة ونحوها باطلة. ولا يصح نكاحه ولا إنكاحه لسقوط ولايته. وفي وجه: أنه يجوز أن يزوج أمته, بناء على بقاء الملك. وعلى الأقوال كلها: يقضى منه دين لزمه قبلها. وقال الإصطخري: لا; بناء على الزوال وينفق عليه منه. وفي وجه: لا; بناء على الزوال وينفق على زوجات وقف نكاحهن, وقريب ويقضى منه غرامة ما أتلفه في الردة. وفي وجه: لا بناء على الزوال.
تنبيه: دخل فيما ذكرناه. أولا: الإجارة, فتملك الأجرة أيضا بنفس العقد, سواء كانت معينة أو في الذمة. كما صرح به القاضي حسين وغيره. ويملك المستأجر المنفعة في الحال أيضا, وتحدث على ملكه. وفي البحر: وجه غريب أنها تحدث على ملك المؤجر. وبنى على ذلك: إجارة العين من مؤجرها بعد القبض. فإن قلنا: تحدث على ملك المؤجر, لم يجز لئلا يؤدي إلى أنه يملك منفعة ملكه كما لا يتزوج بأمته, وإن قلنا: يحدث على ملك المستأجر, جاز.
وفيما يملك به القرض قولان مستنبطان, لا منصوصان. أظهرهما: بالقبض والثاني: بالتصرف. قال الرافعي: ومعناه أنه إذا تصرف تبين ثبوت ملكه قبله, كذا جزم به. وفي البسيط وجه: أنه يستند الملك إلى العقد. قلت: فعلى هذا فيه أيضا ثلاثة أقوال: ثالثها الوقف فإن تصرف, بان أنه ملكه بالعقد وإلا فلا. ثم المراد كل تصرف يزيل الملك, وقيل يتعلق بالرقبة, وقيل: يستدعي الملك, وقيل: يمنع رجوع البائع عند الإفلاس والواهب. فعلى الأوجه: يكفي البيع والهبة والإعتاق والإتلاف, ولا يكفي الرهن والتزويج, والإجارة والطحن والخبز والذبح على الأول. ويكفي ما سوى الإجارة على الثاني ويكفي ما سوى الرهن على الثالث.
يملك العامل حصته في المساقاة, بالظهور على المذهب, وفي القراض قولان: أحدهما: كذلك, والأظهر بالقسمة. والفرق: أن الربح في القراض وقاية لرأس المال بخلاف الثمرة, وينبني على القولين: الزكاة. فعلى الثاني: يلزم المالك زكاة الجميع, فإن أخرجها من ماله حسبت من الربح. وعلى الأول: يلزم المالك زكاة رأس المال, وحصته من الربح. ويلزم العامل زكاة حصته للخلطة. ولو كان في المال جارية فوطئها العامل وأحبلها, فعلى الثاني لا يثبت الاستيلاد وعلى الأول يثبت في نصيبه ويقوم عليه الباقي إن كان موسرا.
ما يملك بالإحياء باب واسع, والكتاب الخامس به أجدر.
في الملك, في رقبة الموقوف أقوال: أصحها: أنه انتقل إلى الله. والثاني: أنه للموقوف عليه. والثالث: باق على ملك الواقف. وقيل: إن كان الوقف على معين, فهو ملكه قطعا.
دية القتل, هل تثبت لورثته ابتداء عقب هلاك المقتول, أو بقدر دخولها في ملكه في آخر جزء من حياته, ثم تنتقل إلى الورثة؟ قولان. أظهرهما الثاني. قال الرافعي: لأنها تنفذ منها وصاياه وديونه, ولو كانت للورثة لم يكن كذلك. قال الشيخ برهان الدين بن الفركاح: وكلامه يقتضي الاتفاق على أنه يقضى منها الديون والوصايا. وفي البيان: أن الشيخ أبا إسحاق صرح بذلك: أي الاتفاق, وأن الذي يقتضي المذهب أنه ينبني على القولين متى تجب الدية. ومن الفروع المبنية عليهما: ما لو أذن له في قتله, فقتله أو في قطعه, فسرى. فإن قلنا: يجب للورثة ابتداء: وجبت الدية وإلا فلا. ولو جنى المرهون على نفس من يرثه السيد خطأ أو عفا على مال. فإن قلنا: يجب للورثة ابتداء, لم يثبت مال فيبقى رهنا وإلا فوجهان يجريان فيما لو جنى على طرفه وانتقل إلى سيده بالإرث. وقد نقل في الشرح والروضة: أن أصحهما عند الصيدلاني والإمام, أنه لا يثبت كما لا يثبت ابتداء, وأن العراقيين قطعوا بالثبوت, ويباع فيه. وصحح الرافعي في النكاح الثاني. وفي الشرح الصغير الأول.
ويملك الإرث بمجرد الموت, ولو كان على التركة دين على الصحيح. والقديم: أن الدين يمنع انتقال التركة إلى ملك الوارث. وهل يمنع انتقال قدره أو كلها؟ قولان: في الشرح بلا ترجيح. وينبني على القولين: ما لو حدث في التركة زوائد, فعلى الصحيح: لا يتعلق بها حق الغرماء, وعلى الآخر يتعلق. وينبني عليهما أيضا.
مسألة: وقعت في أيام ابن عدلان وابن اللبان وابن القماح والسبكي والسنكلوي. وابن الكتاني, وابن الأنصاري وابن البلغيائي. وهي: ما لو كان الدين للوارث, فهل يسقط منه بقدر ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين لو كان لأجنبي؟ حتى لو كان جائزا والدين بقدر التركة سقط كله. فأفتى جماعة: بأن لا سقوط وبأنه أخذ التركة إرثا, والدين باق في ذمة الميت; لأن التركة دخلت في ملكه بمجرد الموت; إذ الدين لا يمنع الإرث فلا يثبت له في ملكه شيء. وأفتى جماعة بالسقوط وقالوا: إنه يؤثر في نقصان مجموع المأخوذ, فيكون أخذ قدر الدين عن دينه لا إرثا, والباقي إرث. وهؤلاء استندوا إلى تقديم الدين على الإرث, مع القول بأنه يمنع الإرث. وأفتى السبكي بالسقوط وعدم التأثير بالنقصان وألف في ذلك كتابا سماه ( منية الباحث عن دين الوارث ولخصه في فتاويه. فقال: يسقط من دين الوارث ما يلزم أداؤه من ذلك الدين, لو كان لأجنبي, وهو نسبة إرثه من الدين إن لم يزد الدين على التركة, ومما يلزم الورثة أداؤه منه إن زاد. ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه منه على قدر حصصهم. وقد يقضي الأمر إلى التقاص إذا كان الدين لوارثين, فإذا كان الوارث حائزا أو لا دين لغيره ودينه مساو للتركة أو أقل سقط وإن زاد سقط مقدارها ويبقى الزائد ويأخذ التركة في الأحوال إرثا, ويقدر أنه أخذها دينا; لأن جهة الملك أقوى ولا تتوقف على شيء, وجهة الدين تتوقف على إقباض أو تعويض, وهما متعذران; لأن التركة ملكه. لكنا نقدر أحدهما, وإلا لما برئت ذمة الميت, تقديرا محضا لا وجود له. ولو كان مع دين الحائز دين أجنبي, قدرنا الدينين الأجنبيين, فما خص دين الوارث سقط واستقر نظيره, كدينارين له ودينار لأجنبي, والتركة ديناران, فله دينار وثلث إرثا, وسقط نظيره وبقي له في ذمة الميت ثلثا دينار, ويأخذ الأجنبي ثلثي دينار ويبقى له ثلث دينار. ولو كان الوارث اثنين لأحدهما ديناران ولآخر دينار, فلصاحب الدينارين من ديناره الموروث ثلثاه, ومن دينار أخيه ثلثه, والثلث الباقي من ديناره مقاصص به أخاه فيجتمع له دينار وثلث, ولأخيه ثلثان ومجموعهما ديناران, وهو اللازم لهما; لأن الذي يلزم الورثة أداؤه أقل الأمرين: من الدين ومقدار التركة. ولو كان زوجة وأخا والتركة أربعين والصداق عشرة,, فلها عشرة إرثا وسبعة ونصف من نصيب الأخ دينا, وسقط لها ديناران ونصف نظير ربع إرثها, ازدحم عليه جهتا الإرث والدين. ولو قلنا: بأن السبعة ونصفا من أصل التركة, لسقط ربعها المختص بها, وهلم جرا إلى أن لا يبقى شيء ولأنه لو عاد له ثلاثة أرباع الاثنين ونصف لكان بغير سبب ولزاد إرثه ونقص إرثها عما هو لها. وقد بان بهذا: أنه لا يختلف المأخوذ, وسواء أعطيت الدين أولا, أم بعد القسمة. والحاصل لها على التقديرين سبعة عشر ونصف. والطريق الأول: هو الذي عليه عمل الناس, وهو أوضح وأسهل يتمشى على قول من يقول: إن التركة لا تنتقل قبل وفاء الدين. والطريق الثاني: أدق, وهو مبني على أن التركة تنتقل قبل وفاء الدين, وهو الصحيح. ويترتب عليه: أنه لا يجوز لها أن تدعي, ولا تحلف إلا على النصف والربع, وكذا لا تتعوض ولا تقبض ولا تبرأ إلا من ذلك. قال: وأما ما زاد على قدر التركة, فلا يسقط ومن تخيل ذلك فهو غالط. فإن قلت: ما ادعيته من السقوط لا بد فيه من الاستناد إلى شيء من كلام الأصحاب وإلا فقد ظن بعض الناس أن بالسقوط يتفاوت المأخوذ, وظن آخرون أن لا سقوط أصلا قلت: أما من ظن أن لا سقوط أصلا, فكلامه متجه إذا قلنا: التركة لا تنتقل, فإن قلنا بالانتقال, فلا. وأما من ظن التفاوت, فليس بشيء. وأما كلام الأصحاب الدال على ما قلناه, ففي موضعين: أحدهما: في الجراح, إذا خلف زوجته حاملا وأخا لأب, وعبدا, فجنى عليها فأجهضت. قالوا: يسقط من حق كل واحد من الغرة ما يقابل ملكه; لأنه لا يثبت للإنسان على ملكه حق. وذكروا طريقين في كيفية السقوط: أحدهما: طريقة الإمام والرافعي: أنه يسقط نصيب الأخ كله; لأنه أقل من ملكه. ومن نصيب الأم ما يقابل ملكها, وهو الربع ويبقى لها نصف سدس الغرة, يرجع به على الأصح. وأصحهما طريقة الغزالي: أنه يسقط من حقها من الغرة ربعه; لأنه المقابل لملكها ومن حقه ثلاثة أرباعه ويبقى لها سدس الغرة, ولها عليه نصف سدسها, والواجب في الفداء أقل الأمرين, وربما لا تفي حصتها بأرشها وتفي حصته بأرشه, فإذا سلمت تعطل عليه ما زاد ولم يتعطل عليها. مثاله: الغرة ستون وقيمة العبد عشرون, وسلما. ضاع عليه خمسة وصار له خمسة ولها خمسة عشر. الموضع الثاني: في الإجارة. آجر دارا من ابنه بأجرة قبضها واستنفقها ومات عقب ذلك عنه وعن ابن آخر, وقلنا تنفسخ الإجارة في نصيب المستأجر, فمقتضى الانفساخ فيه الرجوع بنصف الأجرة يسقط منه نسبة إرثه, وهو الربع ويرجع على أخيه بالربع في هذين الموضعين يؤخذ ما ذكرناه من السقوط, انتهى كلام السبكي في فتاويه. لا أعلم في ذلك خلافا عندنا. فلو مات, أو أفلس, وعليه صداق لزوجة دخل بها, وصداق لأخرى, لم يدخل بها لم تقدم المدخول بها بل يستويان كما أفتيت به تخريجا من هذه القاعدة. وأما النصف العائد بالطلاق, ففيه أوجه. أصحها: أنه يملكه بنفس الطلاق. والثاني: أنه لا يملكه, إلا باختيار التملك. والثالث: لا يملك, إلا بقضاء القاضي. وينبني على الأوجه: الزوائد الحادثة بعد الطلاق.
الغنيمة: أوجه أصحها: لا يملكون إلا بالقسمة أو اختيار التملك; لأنهم لو ملكوا. لم يصح إعراضهم ولا إبطال حقهم عن نوع بغير رضاهم. ولا شك أن للإمام: أن يخص كل طائفة بنوع من المال. والثاني: يملكون بالحيازة, والاستيلاء التام; لأن الاستيلاء على ما ليس بمعصوم من المال سبب للملك ولأن ملك الكفار زال بالاستيلاء, ولو لم يملكوا لزال الملك إلى غير مالك. لكنه ملك ضعيف, يسقط بالإعراض. الثالث: موقوف إن سلمت الغنيمة, حتى قسموها. بان أنهم ملكوا بالاستيلاء وإن تلفت, أو أعرضوا تبينا عدم الملك. وحينئذ فهذه المسألة من نظائر المسائل المتقدمة. المسألة الخامسة: في الاستقرار. يستقر الملك في المبيع, ونحوه, من المسلم فيه, والمصالح عليه, والصداق المعين بالتسليم. وتستقر الأجرة في الإجارة: بالاستيفاء, وبقبض العين المستأجرة, وإمساكها حتى مضت مدة الإجارة أو مدة إمكان السير إلى الموضع الذي استأجر للركوب إليه وإن لم ينتفع. وسواء إجارة العين والذمة. وتستقر في الإجارة الفاسدة: أجرة المثل بذلك. قال الأصحاب: ويستقر الصداق بواحد من شيئين: الوطء, والموت. وأورد في المهمات عليهم: أنه لا بد من القبض في المعين أيضا; لأن المشهور أن الصداق قبل القبض مضمون ضمان عقد, كالبيع, فكما قالوا: إن المبيع قبل القبض, غير مستقر وإن كان الثمن قد قبض فكذلك الصداق. وأجيب: بأن المراد بالاستقرار هنا: الأمن من سقوط المهر, أو بعضه بالتشطر. وفي المبيع: الأمن من الانفساخ. فالمبيع: إذا تلف. انفسخ البيع. والصداق المعين, إذا تلف قبل القبض: لم يسقط المهر, بل يجب بدل البضع, فاقترن البابان. ذكره الشيخ ولي الدين في نكته. وقال القاضي جلال الدين البلقيني: لم يبين الأصحاب معنى الاستقرار في باب الصداق, حتى خفي معناه على بعض المتأخرين, فما ورد عليهم أنه لا بد من قبض المعين. وليس الأمر كذلك; فإن معنى الاستقرار في الصداق: عينا كان, أو دينا. الأمن من تشطره بالفراق قبل الدخول, ومن سقوطه كله بالفرقة من جهتها قبله. وهذا الاستقرار يكون في الصداق المعين, والذي في الذمة, وجميع الديون التي في الذمة بعد لزومها وقبض المقابل لها: مستقرة إلا دينا واحدا: هو دين السلم فإنه وإن كان لازما فهو غير مستقر وإنما كان غير مستقر; لأنه بصدد أن يطرأ انقطاع المسلم فيه. فينفسخ العقد. فمعنى الاستقرار في الديون اللازمة من الجانبين: الأمن من فسخ العقد, بسبب تعذر حصول الدين المذكور; لعدم وجود جنسه: وامتناع الاعتياض عنه. وذلك مخصوص بدين السلم: دون بقية الديون. وأما دين الثمن بعد قبض المبيع, فإنه أمن فيه الفسخ المذكور, وإن تعذر حصوله بانقطاع جنسه جاز الاعتياض عنه, وكذا الفسخ بسبب رد بعيب, أو إقالة, أو تحالف ا هـ. المسألة السادسة: الملك: إما للعين والمنفعة معا, وهو الغالب أو للعين فقط كالعبد الموصى بمنفعته أبدا رقبته ملك للوارث. وليس له شيء من منافعه, وعليه نفقته ومؤنته. ولا يصح بيعه لغير الموصى له, ويصح له إعتاقه, لا عن الكفارة, ولا كتابته. وله وطؤها إن كانت ممن لا تحبل, وإلا فلا. وفي كل من ذلك خلاف. وإما للمنفعة فقط, كمنافع العبد الموصى بمنفعته أبدا, وكالمستأجر, والموقوف على معين. وقد يملك الانتفاع دون المنفعة كالمستعير. والعبد الذي أوصي بمنفعته مدة حياة الموصى له. وكالموصى بخدمته وسكناها. فإن ذلك إباحة له, لا تمليك. وكذا الموقوف على غير معين كالربط والطعام المقدم للضيف. وكل من ملك المنفعة, فله الإجارة, والإعارة. ومن ملك الانتفاع, فليس له الإجارة قطعا, ولا الإعارة في الأصح. ونظير ذلك: الأمة المزوجة: إذا وطئت بشبهة, أو إكراه, فإن مهرها للسيد; لأنه مالك البضع, لا للزوج; لأنه لم يملكه, بل ملك الانتفاع به. وكذا الحرة: إذا وطئت بشبهة: مهرها لها, لا لزوجها, فإنه ملك الانتفاع ببعضها دونه. قال العلائي: ومن ذلك أيضا: الإقطاع "على الرأي المختار" فإن المقطع لم يملك إلا أن ينتفع, بدليل الاسترجاع منه, متى شاء الإمام, فليس له الإجارة, إلا أن يأذن له الإمام أو يستقر العرف بذلك. كما في الإقطاعات بديار مصر. قال: وهذا هو الذي كان يفتي به شيخنا برهان الدين, وكمال الدين, وهو اختيار شيخهما تاج الدين الفزاري. والذي أفتى به النووي: صحة إجارة الأقطاع, وشبهه بالصداق قبل الدخول. قال العلائي: وفي ذلك نظر; لأن الزوجة ملكت الصداق بالعقد ملكا تاما, وإذا قبضته كان لها التصرف فيه بالبيع وغيره, والإقطاع ليس كذلك. وقد قال الرافعي: إن الوصية بالمنافع إذا كانت مطلقة أو مقيدة بالتأبيد أو بمدة معينة كالسنة مثلا يكون تمليكا لها بعد الموت, فتصح إجارتها وإعارتها, والوصية بها وتنتقل عن الموصى له بموته إلى ورثته. ثم قال: أما إذا قال أوصيت لك بمنافعه مدة حياتك فهو إباحة وليس بتمليك وليس له الإجارة, وفي الإعارة وجهان. وإذا مات الموصى له رجع الحق إلى ورثة الموصي. وهذه المسألة أشبه شيء بالإقطاع; لأنه مقيد عرفا بحياة المقطع, وإذا مات بطل بل هو أضعف من الوصية; لأنه قد يسترجع منه في حياته بخلاف الوصية ا هـ. خاتمة: في ضبط المال والمتمول. أما المال, فقال الشافعي: لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه, وإن قلت وما لا يطرحه الناس, مثل الفلس وما أشبه ذلك انتهى. وأما المتمول: فذكر الإمام له في باب اللقطة ضابطين: أحدهما: أن كل ما يقدر له أثر في النفع فهو متمول, وكل ما لا يظهر له أثر في الانتفاع فهو لقلته خارج عما يتمول. الثاني: أن المتمول هو الذي تعرض له قيمة عند غلاء الأسعار. والخارج عن المتمول: هو الذي لا يعرض فيه ذلك.
اختص بأحكام. الأول: جواز الرهن به فلا يصح بالأعيان المضمونة بحكم العقد كالمبيع والصداق أو بحكم اليد, كالمغصوب والمستعار والمأخوذ على جهة السوم أو بالبيع الفاسد. وفي وجه ضعيف: يجوز كل ذلك. لكن في فتاوى القفال: لو وقف كتابا وشرط أن لا يعار إلا برهن اتبع شرطه وقال السبكي في تكملة شرح المهذب: فرع: حدث في الأعصار القريبة وقف كتب, يشترط الواقف أن لا تعار إلا برهن أو لا تخرج من مكان تحبيسها إلا برهن, أو لا تخرج أصلا. والذي أقول في هذا أن الرهن لا يصح بها; لأنها عين مأمونة في يد موقوف عليه. ولا يقال لها عارية أيضا, بل الآخذ لها إن كان من الوقف استحق الانتفاع ويده عليها يد أمانة, فشرط أخذ الرهن عليها فاسد, وإن أعطاه كان رهنا فاسدا ويكون في يد خازن الكتب أمانة; لأن فاسد العقود في الضمان كصحيحها, والرهن أمانة. هذا إذا أريد الرهن الشرعي, وإن أريد مدلوله لغة, وأن يكون تذكرة فيصح الشرط; لأنه غرض صحيح, وإذا لم يعلم مراد الواقف, فيحتمل أن يقال بالبطلان في الشرط المذكور حملا على المعنى الشرعي ويحتمل أن يقال بالصحة حملا على اللغوي وهو الأقرب تصحيحا للكلام ما أمكن. وحينئذ لا يجوز إخراجها بدونه, وإن قلنا: ببطلانه لم يجز إخراجها به لتعذره ولا بدونه, إما; لأنه خلاف شرط الواقف وإما لفساد الاستثناء فكأنه قال: لا تخرج مطلقا, ولو قال ذلك, صح; لأنه شرط فيه غرض صحيح; لأن إخراجها مظنة ضياعها. بل يجب على ناظر الوقف أن يمكن كل من يقصد الانتفاع بتلك الكتب في مكانها وفي بعض الأوقات يقول: لا تخرج إلا بتذكرة وهذا لا بأس به ولا وجه لبطلانه وهو كما حملنا عليه قوله "إلا برهن" في المدلول اللغوي, فيصح. ويكون المقصود: أن تجويز الواقف الانتفاع لمن يخرج به مشروط بأن يضع في خزانة الوقف ما يتذكر هو به إعادة الموقوف, ويتذكر الخازن به مطالبته فينبغي أن يصح هذا. ومتى أخذه على غير هذا الوجه الذي شرطه الواقف, فيمتنع ولا نقول: بأن تلك التذكرة تبقى رهنا, بل له أن يأخذها, فإذا أخذها طالبه الخازن برد الكتاب, ويجب عليه أن يرده أيضا بغير طلب. ولا يبعد أن يحمل قول الواقف "الرهن" على هذا المعنى حتى يصحح إذا ذكره بلفظ الرهن; تنزيلا للفظ على الصحة ما أمكن. وحينئذ يجوز إخراجه بالشرط المذكور ويمتنع بغيره ولكن لا يثبت له أحكام الرهن ولا يستحق منعه, ولا بدل الكتاب الموقوف, إذا تلف بغير تفريط, ولو تلف بتفريط ضمنه ولكن لا يتعين ذلك المرهون لوفائه, ولا يمتنع على صاحبه التصرف فيه انتهى. الثاني: صحة الضمان بها أداء. فأما الأعيان, فإن لم تكن مضمونة على من هي في يده, كالوديعة والمال في يد الشريك والوصي والوكيل, فلا يصح ضمانها قطعا وإن كانت مضمونة صح ضمان ردها على المذهب ولا يصح ضمان قيمتها لو تلفت على الصحيح; لأنها قبل التلف غير واجبة. الثالث: قبول الأجل فلا يصح تأجيل الأعيان. ولو قال: اشتريت بهذه الدراهم على أن أسلمها في وقت كذا: لم يصح; لأن الأجل شرع رفقا للتحصيل, والمعين حاصل.
فوائد: الأولى: ليس في الشرع دين لا يكون إلا حالا, إلا رأس مال السلم وعقد الصرف, والربا في الذمة, والقرض وكل مال متلف قهري والأجرة في إجارة الذمة, وفرض القاضي مهر المثل على الممتنع في المفوضة, وعقد كل نائب أو ولي لم يؤذن له في التأجيل لفظا أو شرعا, وليس فيه دين لا يكون إلا مؤجلا, إلا الكتابة والدية. وليس فيه دين يتأجل ابتداء بغير عقد إلا في الفرض للمفوضة إذا تراضيا. الثانية: ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض مكلف بصير, إلا في صورتين: الأولى: إذا خالعها على طعام في الذمة وأذن في صرفه لولده منها. والأخرى: النفقة التي في الذمة, إذا أنفق على زوجة صغيرة أو مجنونة بإذن الولي, برئ, وإن لم يقبض المكلف. الثالثة: الأجل: لا يحل قبل وقته إلا بموت المديون. ومنه: موت العبد المأذون وقتل المرتد وباسترقاقه إذا كان حربيا وبالجنون على ما وقع في الروضة, والأصح خلافه. ويستثنى من الموت: المسلم الجاني ولا عاقلة له, تؤخذ الدية من بيت المال مؤجلة ولا تحل بموته. ولو اعترف وأنكرت العاقلة, أخذت منه مؤجلة فلو مات لم تحل في وجه. ولو ضمن الدين مؤجلا ومات, لم يحل في وجه والأصح فيهما الحلول. ولا تحل بموت الدائن بلا خلاف, إلا في صورة على وجه. وهي: ما إذا خالعها على إرضاع ولده منها, وعلى طعام وصفه في ذمتها, وذكر تأجيله وأذن في صرفه للصبي, ثم مات المختلع وكذا يحل بموت الصبي على وجه. ولا يحل بموت ثالث غير الدائن والمدين, على وجه إلا في هذه الصورة. الرابعة: الحال لا يتأجل إلا في مدة الخيار, وأما بعد اللزوم فلا. واستثنى الروياني والمتولي: ما إذا نذر أن لا يطالبه إلا بعد شهر أو أوصى بذلك. قال البلقيني: والتحقيق لا استثناء, فالحلول مستمر, ولكن امتنع الطلب لعارض, كالإعسار. على أن صورة النذر استشكلت, فإنه إن كان معسرا فالإنظار واجب. والواجب: لا يصح نذره, أو موسرا قاصدا للأداء لم يصح; لأن أخذه منه واجب. ولا يصح إبطال الواجب بالنذر. وقيد في المطلب مسألة الوصية بأن تخرج من الثلث, لقولهم في البيع بمؤجل: يحسب كله من الثلث إذا لم يحل منه شيء قبل موته.
تذنيب: قال في الرونق: الأجل ضربان: أجل مضروب بالشرع وأجل مضروب بالعقد. فالأول: العدة والاستبراء والهدنة واللقطة والزكاة والعنة والإيلاء والحمل والرضاع والخيار والحيض والطهر والنفاس واليأس والبلوغ ومسح الخف والقصر. والثاني أقسام: أحدها: ما لا يصح إلا بالأجل, وهو الإجارة والكتابة. والثاني: ما يصح حالا ومؤجلا. والثالث: ما يصح بأجل مجهول ولا يصح بمعلوم, وهو الرهن والقراض والرقبى, والعمرى. والرابع: ما يصح بهما, وهو العارية الوديعة. الحكم الرابع: لا يصح بيع الدين بالدين قطعا. واستثني منه: الحوالة للحاجة. وأما بيعه لمن هو عليه, فهو الاستبدال وسيأتي. وأما لغير من هو عليه بالعين, كأن يشتري عبد زيد بمائة له على عمرو, ففيه قولان أظهرهما في الشرحين والمحرر والمنهاج: البطلان; لأنه لا يقدر على تسليمه. والثاني: يجوز كالاستبدال, وصححه في الروضة من زوائده. وشرطه على ما قال البغوي ثم الرافعي: أن يقبض كل منهما في مجلس العقد ما انتقل إليه فلو تفرقا قبل قبض أحدهما, بطل العقد. قال في المطلب: ومقتضى كلام الأكثرين خلافه, ثم ذكر فيه أن بيع الدين الحال على معسر أو منكر ولا بينة له عليه لا يصح جزما. وكما لا يصح بيع الدين, لا يصح رهنه ولا هبته على الصحيح. ما يجوز فيه الاستبدال, وما لا يجوز. لا يجوز الاستبدال عن دين السلم لامتناع الاعتياض عنه ويجوز عن دين القرض وبدل المتلف مثلا, وقيمته وثمن المبيع والأجرة والصداق وعوض الخلع وبدل الدم قال الأسنوي: وكذا الدين الموصى به والواجب بتقدير الحاكم في المتعة أو بسبب الضمان وكذا زكاة الفطرة إذا كان الفقراء محصورين وغير ذلك. قال: وفي الدين الثابت بالحوالة: نظر يحتمل تخريجه على أنها بيع أم لا, ويحتمل أن ينظر إلى أصله, وهو المحال به فيعطى حكمه. وحيث جاز الاستبدال, جاز عن المؤجل حالا, لا عكسه. ثم إن استبدل موافقا في علة الربا, شرط قبضه في المجلس لا تعيينه في العقد أو غيره, شرط تعيينه في المجلس لا في العقد ولا قبضه. قال في المطلب: وعلى هذا فقولهم, إن ما في الذمة لا يتعين إلا بالقبض, محمول على ما بعد اللزوم. أما قبله: فيتعين برضاهما وينزل ذلك منزلة الزيادة والحط. قال الأسنوي: وهذا الذي قاله جيد, وهو يقتضي إلحاق زمن خيار الشرط في ذلك بخيار المجلس. الخامس: لا تجب فيه الزكاة إن كان ماشية, وعللوه بأن السوم شرط وما في الذمة لا يوصف به. واستشكله الرافعي: بأن المسلم في اللحم يذكر أنه من راعية أو معلوفة, فكما يثبت في الذمة لحم راعية, فلتثبت الراعية نفسها. وأجاب القونوي: بأن المدعى اتصافه بالسوم المحقق وثبوتها في الذمة سائمة أمر تقديري ولا يجب فيه أيضا إن كان معسرا; لأن شرطه الزهو في ملكه ولم يوجد, ولا إن كان دين كتابة أو دينا آخر على المكاتب لعدم لزومه. وأما إن كان عرضا, ففي كتب الشيخين: أنه كالنقد. وسوى في التتمة بينه وبين الماشية; لأن ما في الذمة: لا يتصور فيه التجارة وادعى نفي الخلاف. وبذلك أفتى البرهان الفزاري: أنه لو أسلم في عرض, بنية التجارة لم تجب فيه الزكاة قال: لأنه لم يتملكه ملكا مستقرا. أما كونه غير مستقر, فواضح. وأما كون الاستقرار شرط وجوب الزكاة, فقولهم في الأجرة: لا يلزمه أن يخرج إلا زكاة ما استقر. قال: والسلم أولى بعدم الوجوب من الأجرة; لأنها مقبوضة, يملك التصرف فيها بخلافه. قال: وقول الرافعي: إن العرض تجب فيه الزكاة محمول على ما إذا ثبت في الذمة بالقرض انتهى. وفي البحر, والحاوي: المسلم فيه للتجارة, لا تجب زكاته, قولا واحدا, فإذا قبضه استأنف الحول. قال في الخادم: وإذا قلنا بوجوبه, فلا يدفع حتى يقبض. وهل يقوم بحالة الوجوب أو القبض؟ فيه نظر. والصواب: اعتبار أقل القيمتين كالأرش, فإن الزكاة مواساة انتهى. وأما النقد: فالجديد: وجوب الزكاة فيه, ثم إن كان حالا وتيسر أخذه بأن كان على مليء مقر حاضر باذل وجب إخراجها في الحال وإن كان مؤجلا أو على معسر أو منكر, أو مماطل, لم تجب حتى يقبض. قال الزركشي: وهل يتعلق به تعلق شركة, كالأعيان, أو لا؟. لم أر من صرح به. فإن قلنا به, فهل يسمع دعوى المالك بالكل; لأن له ولاية القبض, لأجل أداء الزكاة؟ وإذا حلف, فهل يحلف على الكل؟ أو يقول: إنه باق في ذمته, وإنه يستحق قبضه؟ ينبغي الثاني. ما يمنع الدين وجوبه وما لا يمنع. فيه فروع: الأول: الماء في الطهارة, يمنع الدين وجوب شرائه. قال في الكفاية: ولا فرق بين الحال, والمؤجل. الثاني: السترة, كذلك. الثالث: الزكاة, وفيها أقوال. أصحها: لا يمنع وجوبها; لأنها تتعلق بالعين, والدين بالذمة. فلا يمنع أحدهما الآخر, كالدين, وأرش الجناية. والثاني: يمنع; لأن ملكه غير مستقر, لتسلط المستحق على أخذه, وقيل: لأن مستحق الدين تلزمه الزكاة. فلو أوجبنا على المديون أيضا, لزم منه تثنية الزكاة في المال الواحد. والثالث: يمنع في الأموال الباطنة, وهي: النقد, وعروض التجارة, دون الظاهرة. وهي: الزروع. والثمار. والمواشي. والمعادن; لأنها تامة بنفسها, وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا من جنس المال, أو غيره, لآدمي, أو لله. كالزكاة السابقة, والكفارة والنذر. الرابع: زكاة الفطر. نقل الإمام الاتفاق على أن الدين يمنع وجوبها, كما أن الحاجة إلى صرفه في نفقة القريب تمنعه. قال: ولو ظن ظان أنه لا يمنعه, كما لا يمنع وجوب الزكاة ما كان مبعدا. ونقل النووي في نكته على التنبيه: منع الوجوب عن الأصحاب: ومشى عليه في الحاوي الصغير, لكن صحح الرافعي في الشرح الصغير أنه لا يمنع, وهو مقتضى كلامه في الكبير. الخامس: الحج يمنع الدين وجوبه حالا. كان, أو مؤجلا. وفي وجه: إن كان الأجل ينقضي بعد رجوعه من الحج. لزمه, وهو شاذ. السادس: الكفارة, والظاهر أن الدين يمنع وجوب الإعتاق. ولم أر من صرح به, إلا أن الأذرعي في القوت قال: ينبغي أن تكون كالحج. السابع: العقل, ويمنع تحمله أيضا فيما يظهر. الثامن: نفقة القريب. التاسع: سراية الإعتاق, لا يمنعها الدين في الأظهر. فلو كان عليه دين بقدر ما في يده, وهو قيمة الباقي, قوم عليه; لأنه مالك له نافذ تصرفه, ولهذا لو اشترى به عبدا وأعتقه نفذ. والثاني: لا; لأنه غير موسر.
تتمة: والأصح: أن لا يمنع ملك الوارث التركة كما تقدم, ولا صحة الوصية, ولا شراء القريب. ويمنع نفوذ الوصية والتبرع وتصرف الوارث في التركة حتى يقبضه وجواز الصدقة, ما لم يرج وفاء. ما ثبت في الذمة بالإعسار, وما لا يثبت. قال في شرح المهذب: الحقوق المالية الواجبة لله تعالى ثلاثة أضرب. ضرب يجب, لا بسبب مباشرة من العبد: كزكاة الفطر, فإذا عجز عنه وقت الوجوب: لم يثبت في ذمته, فلو أيسر بعد ذلك, لم يجب. وضرب: يجب بسبب من جهته, على جهة البدل. كجزاء الصيد, وفدية الحلق, والطيب, واللباس في الحج, فإذا عجز عنه وقت وجوبه وجب في ذمته, تغليبا لمعنى الغرامة; لأنه إتلاف محض. وضرب يجب بسبب مباشرة. لا على جهة البدل, ككفارة الجماع في رمضان, وكفارة اليمين, والظهار, والقتل, ودم التمتع, والقران, والنذر, وكفارة قوله "أنت علي حرام" ففيها قولان مشهوران. أصحهما: يثبت في الذمة, فمتى قدر عليه: لزمه. والثاني: لا, وتشبيهها بجزاء الصيد أولى من الفطرة; لأن الكفارة مؤاخذة على فعله, كجزاء الصيد, بخلاف الفطرة. انتهى. قلت: ولو لزمت الفدية الشيخ الهرم عن الصوم, وكان معسرا, ففي الروضة وأصلها: قولان في ثبوتها في ذمته, كالكفارة. قال في شرح المهذب: وينبغي أن يكون الأصح هنا: أنها تسقط. ولا تلزمه إذا أيسر كالفطرة لأنه عاجز حال التكليف بالفدية وليست في مقابلة جناية بخلاف الكفارة. فالأقسام على هذا أربعة. وفي الجواهر للقمولي: لو نذر الصدقة كل يوم بكذا. فمرت أيام وهو معسر. ثبتت في ذمته. ولو ماتت زوجته وهو غائب, فجهزت من مالها. لم يثبت في ذمة الزوج. أفتى به القاضي جلال الدين البلقيني.
تذنيب: من الغريب قول القاضي حسين: إن الطلاق يثبت في الذمة. قال السبكي: حكيت مرة لابن الرفعة, فقال: عمري ما سمعت ثبوت طلاق في الذمة. قال: ولا شك أن ابن الرفعة سمعه, وكتبه مرات. لكنه لغرابته ونكارته, لم يبق على ذهنه. ويتفرع على ذلك فروع: ما يقدم على الدين, وما يؤخر عنه. قال في الروضة وأصلها في الأيمان: إذا وفت التركة بحقوق الله, وحقوق الآدميين قضيت جميعا. وإن لم تف, وتعلق بعضها بالعين, وبعضها بالذمة: قدم المتعلق بالعين سواء اجتمع النوعان, أو انفرد أحدهما. وإن اجتمعا, وتعلق الجميع بالعين, أو الذمة فهل يقدم حق الله تعالى, أو الآدمي, أو يستويان؟ فيه أقوال. أظهرها: الأول. ولا تجري هذه الأقوال في المحجور عليه بفلس, إذا اجتمع النوعان. بل تقدم حقوق الآدمي, وتؤخر حقوق الله تعالى ما دام حيا ا هـ. ومن أمثلة ما تجري فيه الأقوال. اجتماع الدين مع الزكاة, أو الفطرة, أو الكفارة, أو النذر, أو جزاء الصيد, أو الحج. كما صرح به في شرح المهذب. والأصح في الكل: تقديمها على الدين.
وكذا: سراية العتق, مع الدين. وصححا في اجتماع الجزية, مع الدين: التسوية; لأنها في معنى الأجرة. فالتحقت بدين الآدمي. ومن اجتماع حقوق الله تعالى فقط. الزكاة. والكفارة. والحج. قال السبكي: والوجه أن يقال: إن كان النصاب موجودا قدمت الزكاة, وإلا فيستويان.
تذنيب: فيما تقدم عند الاجتماع من غير الديون. اجتمع محدث. وجنب. وحائض. وذو نجاسة. وميت, وهناك ماء مباح. أو موصى به لأحوج الناس إليه, ولا يكفي إلا أحدهم. قدم الميت على الجميع; لأنه خاتمة أمره, فخص بأكمل الطهارتين; ولأن القصد من غسله تنظيفه, ولا يحصل بالتراب. والقصد من طهارة الأحياء: استباحة الصلاة, وهو حاصل بالتيمم. ويقدم بعده من عليه نجاسة; لأنه لا بدل لطهارته, ثم الحائض; لأن حدثها أغلظ. وفي وجه: يقدم الجنب عليها; لأن غسله منصوص عليه في القرآن, ولاختلاف الصحابة في صحة تيمم الجنب دونها. وفي وجه: يستويان, فيقرع بينهما. وقيل: يقسم. ويقدم الجنب على المحدث إن لم يكف الماء واحدا منهما أو كفى كلا منهما أو كفى الجنب فقط, وإن كفى المحدث فقط: قدم. فإن كان معهم ظامئ, قدم على الميت لبقاء الروح. اجتمع مغتسل لجمعة, وغسل الميت فإن قلنا: غسل الجمعة آكد. قدم, أو غسل الميت قدم. اجتمع حدث, وطيب: وهو محرم, فإن أمكن غسل الطيب بعد الوضوء, فذاك وإلا قدم غسل الطيب لأنه لا بدل له, والوضوء له بدل. ولو كان نجاسة, وطيب: قدمت النجاسة; لأنها أغلظ, وتبطل الصلاة بخلافه. اجتمع كسوف, وجمعة. أو فرض آخر فإن خيف فوت الفرض قدم; لأنه أهم وإلا قدم الكسوف في الأظهر; لأنه يخشى فواته بالانجلاء, ثم يخطب للجمعة متعرضا للكسوف: ثم يصلي الجمعة, ولا يحتاج إلى أربع خطب. اجتمع عيد, وكسوف, وجنازة قدمت الجنازة, خوفا من تغير الميت. ولو اجتمع جمعة, وجنازة, فكذلك, إن لم يضق الوقت, فإن ضاق, قدمت الجمعة; لأنها فرض عين, وقيل: الجنازة; لأن للجمعة بدلا. اجتمع كسوف, ووتر, أو تراويح. قدم الكسوف مطلقا. أو كسوف, وعيد, وخيف فوت العيد قدم, وإلا فالكسوف. اجتمع في زكاة الفطر: رجل, وزوجته, وولده الصغير, والكبير, والأب, والأم, ولم يجد إلا بعض الصيعان, ففي المسألة عشرة أوجه, حكاها في شرح المهذب أصحها: تقديم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأب ثم الأم ثم ولده الكبير. والثاني: يقدم الزوجة على نفسه; لأن فطرتها تجب بحكم المعاوضة. والثالث: يبدأ بنفسه, ثم بمن شاء. والرابع: يتخير. والخامس: يخرجه موزعا على الجميع. والسادس: يخرجه عن أحدهم, لا بعينه. والسابع: يقدم الأم على الأب. والثامن: يستويان, فيخير بينهما. والتاسع: يقدم الابن الكبير على الأبوين; لأن النص ورد بنفقته, والفطرة تتبعها. والعاشر: يقدم الأقارب على الزوجة; لأنه قادر على إزالة سبب الزوجية بالطلاق, بخلاف القرابة. ولو اجتمع المذكورون في النفقة, قدموا على ما ذكر, إلا أن الأم تقدم فيها على الأب, في الأصح; لأن النفقة شرعت لسد الخلة, ودفع الحاجة, والأم أكثر حاجة, وأقل حيلة, والفطرة لم تشرع لدفع ضرر المخرج عنه. بل لتشريفه, وتطهيره. والأب أحق بهذا, فإنه منسوب إليه, ويشرف بشرفه. ولو اجتمع في الفطرة اثنان في مرتبة: تخير. وقال الرافعي: ولم يتعرضوا للإقراع, وله فيه مجال كنظائره. اجتمع على رجل حدود, فإن كانت لله تعالى, قدم الأخف فالأخف, فيقدم حد الشرب, ثم جلد الزنا, ثم قطع السرقة, أو المحاربة, ثم قتل الردة. وإن كانت لآدمي فكذلك: فيقدم حد القذف ثم القطع ثم القتل. فلو اجتمع مستحقا قطع, أو قتل: قدم من سبقت جنايته. فإن جهل, أو جني عليهم معا أقرع. وإن اجتمع الصنفان, قدم حد القذف على جلد الزنا; لأنه حق آدمي, وقيل: لأنه أخف. وينبني عليها: اجتماع حد الشرب والقذف, فعلى الأصح: يقام القذف, وعلى الثاني: الشرب. ويجريان في اجتماع القطع, والقتل قصاصا مع جلد الزنا. فعلى الأصح: يقدمان عليه. ولو اجتمع قتل القصاص, والردة, والزنا قدم القصاص قطعا وقيل في الزنا: يقتل رجما بإذن الولي, ليتأدى الحقان. ولو اجتمع قتل الزنا, والردة, لم يحضرني فيه نقل. والذي يظهر: أنه يرجم; لأنه مقصودهما, بخلاف ما لو قتل بالسيف, فإنه محصل قتل الردة, دون الزنا.
فرع: ويقرب من هذه المسائل: مسائل اجتماع الفضيلة, والنقيصة. فمنها: الصلاة أول الوقت بالتيمم, وآخره بالوضوء, والأظهر: استحباب التأخير إن تيقن الوضوء, والتقديم إن ظنه, أو جوز وجوده, أو توهمه. قال إمام الحرمين: والخلاف فيمن أراد الاقتصار على صلاة واحدة, فإن صلى أوله بالتيمم وآخره بالوضوء فهو النهاية في تحصيل الفضيلة. ومنها: الصلاة أول الوقت منفردا, وآخره جماعة, وفي الأفضل طرق. قطع أكثر العراقيين: باستحباب التأخير وأكثر الخراسانيين باستحباب التقديم. وقال آخرون: حكمه حكم الماء, فإن تيقن الجماعة آخره فالتأخير أفضل, وإلا فالتقديم. قال النووي: وقد ثبت في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه ستجيء أئمة, يؤخرون الصلاة عن أول وقتها قال:" فصلوا الصلاة لوقتها, واجعلوا صلاتكم معهم نافلة". قال: فالذي نختاره: أن يصلي مرتين, فإن اقتصر على واحدة, فإن تيقن حصول الجماعة فالتأخير أفضل لتحصيل شعارها الظاهر; ولأنها فرض كفاية. وفي وجه: فرض عين, ففي تحصيلها: خروج من الخلاف. قال: ويحتمل أن يقال: إن فحش التأخير, فالتقديم أفضل. وإن خف, فالانتظار أفضل. ومنها: الصلاة أول الوقت عاريا, أو قاعدا, وآخره مستورا, أو قائما. وفيها الخلاف في المتيمم. ومنها: الصلاة أول الوقت قاصرا, وآخره مقيما, يصلي قاصرا بلا خلاف. نقله في شرح المهذب, عن صاحب البيان. ومنها: لو خاف فوت الجماعة إن أسبغ الوضوء, فإدراكها أولى من الانحباس لإكماله نقله النووي عن صاحب الفروع. وقال: فيه نظر. ومنها: لو خاف فوت الركعة إن مشى إلى الصف الأول. قال في شرح المهذب: لم أر فيه لأصحابنا, ولا لغيرهم شيئا. والظاهر: أنه إن خاف فوت الركعة الأخيرة حافظ عليها, وإن خاف فوت غيرها مشى إلى الصف الأول للأحاديث الصحيحة في الأمر بإتمامه والازدحام عليه. ومنها: لو قدر أن يصلي في بيته قائما منفردا. ولو صلى مع الجماعة احتاج أن يقعد في بعضها فالأفضل الانفراد, محافظة على القيام ذكره الشافعي والأصحاب. ومنها: لو ضاق الوقت على سنن الصلاة. قال البغوي في فتاويه, ما حاصله: إن السنن التي تجبر بالسجود يأتي بها, بلا إشكال. وأما غيرها, فالظاهر: الإتيان بها أيضا; لأن الصديق كان يطول القراءة في الصبح حتى تطلع الشمس. قال: ويحتمل أن لا يأتي بها, إلا إذا أدرك الركعة. قال الأسنوي: وفيما قاله نظر. ومنها: لو ضاق الماء والوقت, عن استيعاب سنن الوضوء وجب الاقتصار على الواجبات, صرح به النووي في شرح التنبيه. ومنها: لو اجتمع في الإمامة الأفقه, والأقرأ, والأورع الأصح: تقديم الأفقه عليهما, لاحتياج الصلاة إلى مزيد الفقه, لكثرة عوارضها, وقيل: بالتساوي لتعادل الفضيلتين. ولو اجتمع السن والنسب, فالأظهر: تقديم السن; لأنه صفة في نفسه, والنسب صفة في آبائه. ولو اجتمعا مع الهجرة, فالجديد: تقديمهما. واختار النووي: تقديم الهجرة عليهما وصححه في المهذب. ولو اجتمع الأعمى والبصير, فقيل: الأعمى أولى; لأنه أخشع; إذ لا ينظر إلى ما يلهيه وقيل البصير لأنه أكثر تحفظا من النجاسات والأصح: أنهما سواء; لتعادلهما. ولو اجتمع في صلاة الجنازة الحر البعيد, والعبد القريب, والحر غير الفقيه, والعبد الفقيه فالأصح فيهما تقديم الحر. والثالث: يستويان; لتعادلهما. وقريب من هذه المسائل: الخصال المعتبرة في الكفاءة, هل يقابل بعضها ببعض؟ الأصح: المنع, فلا يكافئ رقيق عفيف: حرة فاسقة, ولا حر معيب: رقيقة سليمة, ولا عفيف دنيء النسب: فاسقة شريفة. وفي نظير المسألة من القصاص: لا تقابل جزما, فلا يقاد عبد مسلم بكافر حر, بلا خلاف. خاتمة: لا يقدم في التزاحم على الحقوق أحد, إلا بمرجح. وله أسباب: أحدها: السبق, كجماعة ماتوا, وهناك ما يكفي أحدهم, قدم أسبقهم موتا. والمستحاضة: ترى الدم بصفتين مستويتين, فيرجح الأسبق. وكالازدحام في الدعوى, والإحياء, والدرس. ولو وكل رجلا في بيع عبده, وآخر في عتقه, قال الدبيلي: من سبق فله الحكم. ثانيها: القوة, فلو أقر الوارث بدين, وأقام الآخر بينة بدين, والتركة لا تفي بهما قال صاحب الإشراف: يقدم دين البينة. ثالثها: القرعة في مواضع كثيرة, كازدحام الأولياء في النكاح, والعبيد في العتق, والمقتصين في الجاني عليهم معا.
أما ثمن المثل: فقد ذكر في مواضع: في شراء الماء في التيمم, وشراء الزاد, ونحوه في الحج, وفي بيع مال المحجور, والمفلس والموكل, والممتنع من أداء الدين, وتحصيل المسلم فيه, ومثل المغصوب, وإبل الدية, وغيرها. ويلحق بها, كل موضع اعتبرت فيه القيمة, فإنها عبارة عن ثمن المثل. ونبدأ بذكر حقيقته, فنقول: يختلف باختلاف المواضع. والتحقيق أنه راجع إلى الاختلاف في وقت اعتباره, أو مكانه. الموضع الأول: التيمم: فذكروا فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه أجرة نقل الماء إلى الموضع الذي هذا المشترى فيه. ويختلف ذلك ببعد المسافة وقربها. الثاني: أنه قيمة مثله في ذلك الموضع, في غالب الأوقات, فإن الشربة الواحدة في وقت عزة الماء: يرغب فيها بدنانير. فلو كلفناه شراءه بقيمته في الحال, لحقته المشقة والحرج. الثالث: أنه قيمة مثله في ذلك الموضع في تلك الحالة, فإن ثمن المثل يعتبر حالة التقويم. وهذا هو الصحيح عند جمهور الأصحاب, وبه قطع الدارمي وجماعة من العراقيين ونقله الإمام, عن الأكثرين. قال: والوجه الأول بناه قائلوه على أن الماء لا يملك, وهو وجه ضعيف قال: والثاني أيضا ليس بشيء. قال: وعلى طريقة الأكثرين: الأقرب, أن يقال. لا يعتبر ثمن الماء عند الحاجة إلى سد الرمق, فإن ذلك لا ينضبط, وربما رغب في الشربة حينئذ بدنانير, ويبعد في الرخص. والتحقيقات: أن يوجب ذلك على المسافر, ولكن يعتبر الزمان والمكان من غير انتهاء الأمر إلى سد الرمق. الموضع الثاني الحج: جزم الأصحاب بأن ثمن المثل للزاد والماء: القدر اللائق به في ذلك المكان, والزمان. هكذا: أطلقه عنهم الشيخان. قال ابن الرفعة: وهذا الإطلاق إنما يستمر في الزاد. أما الماء: فينبغي جريان الأوجه المذكورة في التيمم فيه. قال: ويحتمل أن لا يجري الوجه القائل بقيمة الماء في غالب الأحوال فيه, وإنما جرى في التيمم لتكرره. وفي الوافي: ينبغي اعتبار ثمن المثل بما جرت به غالب العادة من ماضي السنين, فإن وجد بمثله لزمه, وإلا فلا, وإن عرض في الطريق غلاء, وبيع بأكثر من ثمن مثله, فله الرجوع. أما إذا كانت العادة: غلاء ثمن الماء والزاد, فيلزمه الحج. قال: ويمكن أن يقال: كل سنة تعتبر بنفسها, لكن يعسر معرفة مقدار الثمن والزيادة قبل البلوغ إلى المنهل. الموضع الثالث: الطعام والشراب حال المخمصة. وثمن المثل فيه: هو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان قطعا, وكذا ثمن مثل السترة, والرقبة في الكفارة, والمبيع بوكالة, أو نحوها. والمسروق يعتبر فيه حال الشراء والبيع, والسرقة, ومكانه قطعا. الموضع الرابع: المبيع: إذا تخالفا, وفسخ, كان تالفا يرجع إلى قيمته. وفي وقت اعتبارها أقوال, أو وجوه. أصحها: يوم التلف; لأن مورد الفسخ: هو العين, والقيمة بدل عنها, فإذا فات الأصل تعين النظر في القيمة إلى ذلك الوقت. والثاني: يوم القبض; لأنه وقت دخول المبيع في ضمانه, وما يعرض بعد ذلك من زيادة أو نقصان, فهو في ملكه. والثالث: أقلهما; لأنها إن كانت يوم العقد أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري, وإن كانت يوم القبض أقل, فهو يوم دخوله في ضمانه. والرابع: أكثر القيم من القبض إلى التلف; لأن يده يد ضمان. والخامس: أقلها, من العقد إلى القبض. الموضع الخامس: اطلع في المبيع على عيب, واقتضى الحال الرجوع بالأرش, وهو جزء من ثمنه, باعتبار القيمة. وفي اعتبارها طريقان: المذهب: القطع باعتبار أقل قيمة من البيع إلى القبض لما تقدم في تعليل الثالث في المسألة قبله. والثاني: فيه أقوال: أحدها: هذا. والثاني: يوم البيع; لأن الثمن قابل المبيع يومئذ. والثالث: يوم القبض لما تقدم تنبيه: قولي "أقل قيمة" تبعت فيه عبارة المنهاج, وظاهرها: اقتضاء اعتبار النقصان الحاصل بين العقد والقبض وقد صرح به في الدقائق. قال الأسنوي: وهو غريب, فإنه ليس محكيا في أصوله المبسوطة, وجها, فضلا عن اختياره. وعبارة الروضة والشرحين: أقل القيمتين. قال: وأيضا فلأن النقصان الحاصل قبل القبض إذا زال قبله, لا يثبت للمشتري به الخيار فكيف يكون مضمونا على البائع؟. نعم يوافق الأول قول الروضة وأصلها, فيما إذا تلف الثمن, ورد المبيع بعيب, أو نحوه أنه يأخذ مثله, أو قيمته أقل ما كانت من العقد إلى القبض, ولا فرق بينهما. وهذا هو الموضع السادس. الموضع السابع: إذا تقايلا, والمبيع تالف, فالمعتبر: أقل القيمتين من يوم العقد, والقبض. كذا جزم به في أصل الروضة. الثامن: المسلم فيه. إذا قلنا: يأخذ قيمته للحيلولة, فيعتبر يوم المطالبة بالوضع الذي يستحق فيه التسليم. كما صححه في الروضة من زوائده. وجزم الرافعي باعتبار بلد العقد. التاسع: القرض. إذا جاز له أخذ القيمة بأن كان في موضع لا يلزمه فيه زيادة المثل, وتعتبر قيمة بلد القرض يوم المطالبة. وإذا قلنا إنه يرد في المنقول القيمة, فالمعتبر قيمة يوم القبض. إن قلنا يملك به, وكذا إن قلنا: يملك بالتصرف, في وجه. وفي آخر: أكثر قيمة من القبض إلى التصرف, وهو الأصح في الشرحين, وشرح الوسيط على هذا. العاشر: المستعار إذا تلف. وفي اعتباره أوجه: أصحها قيمة يوم التلف; إذ لو اعتبرت يوم القبض أو الأقصى, لأدى إلى تضمين الأجزاء المستحقة بالاستعمال, وهو مأذون فيها. والثاني: يوم القبض, كالقرض. والثالث: أقصى القيم: من القبض إلى التلف, كالغصب; لأنها لو تلفت في حال الزيادة لأوجبنا قيمته تلك الحالة. الحادي عشر: المقبوض على جهة السوم. إذا تلف, وفيه الأوجه في المستعار: لكن قال الإمام: الأصح فيه قيمة يوم القبض. وقال غيره: الأصح يوم التلف. الثاني عشر: المغصوب إذا تلف, وهو متقوم. فالمعتبر: أقصى قيمة من الغصب إلى التلف بنقد البلد الذي تلف فيه, لا أعلم فيه خلافا. وقولنا "بنقد البلد الذي تلف فيه" كذا أطلقه الرافعي, وهو محمول على ما إذا لم ينقله, فإن نقله قال في الكفاية: فيتجه أن يعتبر نقد البلد الذي تعتبر القيمة فيه, وهو أكثر البلدين قيمة; كما في المثلي إذا نقله; وفقد المثل, فإن غلب نقدان وتساويا: عين القاضي واحدا; وإن كان مثليا, وتعذر المثل أخذ القيمة. وفي اعتبارها: أحد عشر وجها. أصحها: أقصى القيم: من الغصب إلى تعذر المثل; لأن وجود المثل كبقاء عين المغصوب; لأنه كان مأمورا بتسليمه; كما كان مأمورا بتسليم العين; فإذا لم يفعل. غرم أقصى قيمة في المدتين; كما أن المتقوم يضمن بأقصى قيمة لذلك ولا نظر إلى ما بعد انقطاع المثل, كما لا نظر إلى ما بعد تلف المغصوب المتقوم. والثاني: أقصاها من الغصب إلى التلف. والثالث: الأقصى من التلف إلى التعذر. وهما مبنيان على أن الواجب عند إعواز المثل: قيمة المغصوب; لأنه الذي تلف على المالك أو قيمة المثل لأنه الواجب عند التلف. وإنما رجعنا إلى القيمة لتعذره, وفيه وجهان. والرابع: الأقصى من الغصب إلى المطالبة بالقيمة; لأن المثل لا يسقط بالإعواز بدليل أن له أن يصبر إلى وجدانه. والخامس: الأقصى من التعذر إلى المطالبة; لأن التعذر هو وقت الحاجة إلى العدول إلى القيمة, فيعتبر الأقصى يومئذ. والسادس: الأقصى من التلف إلى المطالبة; لأن القيمة تجب حينئذ. والسابع: قيمة يوم التلف, قال في المطلب ولعل توجيهه أن الواجب قيمة المثل على رأي, فيعتبر وقت وجوبه; لأنه لم يتعد في المثل, وإنما تعدى في المغصوب, فأشبه العارية. والثامن: قيمة يوم التعذر; لأنه وقت العدول إلى القيمة. والتاسع: يوم المطالبة; لأن الإعواز حينئذ يتحقق. والعاشر: إن كان منقطعا في جميع البلاد, فقيمته يوم التعذر, وإن فقد هناك فقط, فقيمته يوم المطالبة. والحادي عشر: قيمته يوم أخذ القيمة, حكاه الرافعي عن الشيخ أبي حامد, وتوقف فيه. وقال الأسنوي: أنه ثابت: فقد حكاه عنه تلميذاه, البندنيجي وسليم الرازي. وحكى ابن الرفعة في الكفاية: وجها. ثاني عشر وهو, اعتبار الأقصى من الغصب إلى يوم الأخذ, ورجع عنه في المطلب. قال السبكي: وذلك لكونه غير منقول صريحا ولكنه ينشأ من كلام الأصحاب: قال: وربما يترجح على سائر الوجوه, فلا بأس بالمصير إليه, انتهى. هذا إن كان التلف, والمثل موجود, فإن كان والمثل متعذر. قال الرافعي: فالقياس أن يجب على الأول والثاني الأقصى من الغصب إلى التلف. وعلى الثالث والسابع والثامن يوم التلف. وعلى الخامس الأقصى من التلف إلى المطالبة, والأوجه الباقية بحالها وهذه المسألة من مفردات المسائل, لكثرة ما فيها من الأوجه. الموضع الثالث عشر: المتلف بلا غصب, والمعتبر قيمته يوم التلف. لا أعلم فيه خلافا, إلا إن كان تلفه سراية جناية سابقة, فالمعتبر الأقصى منها, نقله الرافعي عن القفال, وأقره وجزم به في المنهاج. فإن كان مثليا, وهو موجود, ولم يسلمه حتى تعذر, فعلى الوجه الثاني قيمته يوم الإتلاف, وعلى الأول والثالث, الأقصى من الإتلاف إلى التعذر: وعلى الرابع, من الإتلاف إلى المطالبة. والقياس عود الأوجه الباقية, أو والمثل متعذر. فعلى الأول والثاني والثالث والسابع والثامن, قيمة يوم الإتلاف. وعلى الرابع والخامس والسادس, الأقصى من الإتلاف إلى المطالبة. وعلى التاسع يوم المطالبة. وعلى العاشر, إن كان مفقودا في جميع البلاد, فيوم الإتلاف, وإلا فيوم المطالبة. الرابع عشر: المقبوض بالبيع الفاسد إذا تلف. والأصح أنه كالمغصوب, يعتبر فيه الأكثر من القبض إلى التلف, والثاني, يوم القبض, والثالث, يوم التلف. الخامس عشر: إبل الدية إذا فقدت. قال في أصل الروضة: والمفهوم من كلام الأصحاب اعتبار قيمتها يوم وجوب التسليم. وقال الروياني: إن وجبت الدية والإبل مفقودة, اعتبرت قيمتها يوم الوجوب وإن وجبت وهي موجودة فلم يؤد حتى أعوزت, وجبت قيمتها يوم الإعواز. وهل تعتبر قيمة. موضع الوجود أو موضع الإعواز, لو كان فيه إبل؟ وجهان الأصح الثاني. السادس عشر: إذا جنى على عبد أو بهيمة أو صيد, ثم جنى عليه آخر ولم يمت. فإن كان الثاني جنى بعد الاندمال, لزم كلا نصف قيمته قبل جنايته إن كانت الجناية بقطع يد العبد مثلا وإن كان قبل الاندمال لزم الثاني نصف ما أوجبنا على الأول; لأن الجناية الأولى لم تستقر, وقد أوجبنا نصف القيمة فكأنه انتقص نصف القيمة. وإن مات من الجرحين وكانت القيمة عند جرح الثاني ناقصة بسبب الأول كأن جرح ما قيمته عشرة دنانير جراحة, أرشها دينار, ثم جرحه آخر جراحة أرشها دينار ففي الواجب عليهما ستة أوجه: الأول: على الأول خمسة دنانير, وعلى الثاني أربعة ونصف; لأن الجرحين سريا وصارا قتلا, فلزم كل واحد نصف قيمته يوم جنايته, قاله ابن سريج. وضعفه الأئمة: بأن فيه ضياع نصف دينار على المالك. الثاني: قاله المزني وأبو إسحاق والقفال, يلزم كل واحد خمسة. فلو نقصت جناية الأول دينارا والثاني دينارين, لزم الأول أربعة ونصف, والثاني خمسة ونصف: أو نقصت الأولى دينارين والثانية دينارا فعكسه. وضعف بأنه سوى بينهما مع اختلاف قيمته حال جنايتهما. الثالث: يلزم الأول خمسة; ونصف والثاني خمسة; لأن جناية كل واحد نقصت دينارا ثم سرتا, والأرش يسقط إذا صارت الجناية نفسا فيسقط عن كل واحد نصف الأرش لأن الموجود منه نصف القتل. وضعف بأن فيه زيادة الواجب على قيمة المتلف. الرابع: قاله أبو الطيب بن سلمة, يلزم كل واحد نصف قيمته يوم جنايته ونصف الأرش, لكن لا يزيد الواجب على القيمة فيجمع ما لزمهما تقديرا, وهو عشرة ونصف وتقسم القيمة وهي عشرة على العشرة والنصف ليراعى التفاوت بينهما فتبسط أنصافا فيكون أحدا وعشرين, فيلزم الأول أحد عشر جزءا من إحدى وعشرين جزءا من عشرة ويلزم الثاني عشرة من إحدى وعشرين جزءا من عشرة. وضعف بإفراد أرش الجناية عن بدل النفس. الخامس: قاله صاحب التقريب وغيره, واختاره الإمام والغزالي: يلزم الأول خمسة ونصف والثاني أربعة ونصف; لأن الأول لو انفرد بالجرح والسراية لزمه العشرة, فلا يسقط عنه إلا ما لزم الثاني, والثاني إنما جنى على نصف ما يساوي تسعة. السادس: قاله ابن خيران واختاره صاحب الإفصاح وأطبق العراقيون على ترجيحه أنه يجمع بين القيمتين فيكون تسعة عشر, فيقسم عليه ما فوت وهو عشرة, فيكون على الأول عشرة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة, وعلى الثاني: تسعة أجزاء من تسعة عشر جزءا من عشرة. الموضع السابع عشر: سراية العتق. إن قلنا: تحصل باللفظ أو التبيين, اعتبرت قيمة يوم الإعتاق. وإن قلنا: بالأداء فهل تعتبر قيمة يوم الإعتاق أو الأداء أو الأكثر منه إليه؟ أوجه أصحها الأول. الموضع الثامن عشر: العبد إذا جنى, وأراد السيد فداءه. قال البغوي: النص اعتبار قيمته يوم الجناية. وقال القفال: ينبغي أن يعتبر يوم الفداء; لأن ما نقص قبل ذلك لا يؤاخذ به السيد. وحمل النص على ما إذا سبق من السيد منع من بيعه ثم نقص. وأما المستولدة: إذا جنت, فالأصح: اعتبار قيمتها يوم الجناية, والثاني: يوم الاستيلاد.
التاسع عشر: قيمة الولد إذا وجبت. تعتبر يوم وضعه ويجب في صور: منها: إذا غر بحرية أمة وولدت منه أو وطئ أمة غيره بشبهة أو وطئ أمته المرهونة وأحبلهما. العشرون: الجنين الرقيق: في إجهاضه عشر قيمة الأم. وفي اعتبارها وجهان: أحدهما: قيمة يوم الإجهاض, والأصح أكثر ما كانت من الجناية إلى الإجهاض. أما جنين البهيمة: إذا ألقته حيا بجناية ثم مات فهل تجب قيمته حيا أو أكثر الأمرين من قيمته ومن نقص الأم بالولادة؟ فيه قولان في النهاية. الحادي والعشرون: قيمة الصيد المتلف: في الحرم أو الإحرام. يعتبر بمحل الإتلاف, وإلا فبمكة يومئذ; لأن محل الذبح مكة, وإذا اعتبرت بمحل الإتلاف؟ فهل يعتبر في العدول إلى الطعام: سعره هناك أو بمكة؟ احتمالان للإمام, والظاهر: الثاني. الثاني والعشرون: قيمة اللقطة, إذا جاء صاحبها بعد التملك وهي تالفة. ويعتبر يوم التملك. الثالث والعشرون: قيمة جارية الابن إذا أحبلها الأب بوطئه. ولم يصرح الشيخان بوقت اعتبارها والذي يفهم من كلامهم أنها لا تعتبر وقت الإيلاج لإيجابهم المهر معها, بل يعتبر وقت الحكم بانتقالها إلى ملكه وفيه وجهان: أحدهما: قبيل العلوق, نقلاه عن ترجيح البغوي. والثاني: معه واختاره الإمام وتابعه النووي في التنقيح. الرابع والعشرون: قيمة المعجل في الزكاة إذا ثبت الاسترداد وهو تالف. والمعتبر يوم القبض, على الأصح. والثاني: يوم التلف. والثالث: أقصى القيم. الخامس والعشرون: قيمة الصداق: إذا تشطر وهو تالف أو معيب. ولم يصرحوا بوقت اعتباره. والجاري على القواعد: اعتبار وقت الطلاق; لأنه وقت العود إلى ملكه, والزيادة قبله على ملكها لا تعلق له بها. ضابط: حاصل ما تقدم: أنه جزم باعتبار وقت التلف في الإتلاف بلا غصب, وفي معناه: إحبال أمة الولد, كما قسته والإعتاق. وباعتبار يوم القبض في اللقطة. وباعتبار الأقصى في الغصب. وباعتبار الأقل في الإقالة, وثمن المردود بالعيب. وباعتبار المطالبة في القرض المثلي. وباعتبار الوجوب في الولد والصداق, كما قسته. وصحح الأول في التحالف والمستعار والمستام. وصحح الثاني في معجل الزكاة. وصحح الثالث في البيع الفاسد, والجنين والرقيق. وصحح الرابع في الرجوع بالأرش. وصحح الخامس في السلم. وصحح السادس في إبل الدية والعبد الجاني والمستولدة الجانية. فاحفظ هذه النظائر; فإنك لا تجدها مجموعة في غير هذا الموضع. ما يجب تحصيله بأكثر من ثمن المثل, وما لا يجب وما يجب بيعه بأقل منه وما لا. قال بعض المتأخرين: الزيادة اليسيرة على ثمن المثل لا أثر لها في كل الأبواب, إلا في التيمم إذا وجد الماء يباع بزيادة يسيرة على ثمن مثله, لم يلزمه مطلقا في الأصح. قال في الخادم: ومثله شراء الزاد ونحوه في الحج. وأما الزيادة الكثيرة, وهي التي لا يتغابن الناس بمثلها, ففيها فروع: الأول: المسلم فيه يجب تحصيله ولو بأكثر من ثمن المثل إذا لم يوجد إلا به, ولا ينزل ذلك منزلة الانقطاع, جزم به الشيخان. قال السبكي في فتاويه: وعلى قياسه إذا لم يوجد من يشتري مال المديون, إلا بدون قيمته, يجب بيعه والوفاء منه. الثاني: إذا تلف المغصوب المثلي, ولم يوجد مثله إلا بأكثر من ثمن المثل, ففي وجوب تحصيله وجهان, رجح كلا منهما مرجحون. وصحح النووي: عدم الوجوب; لأن الموجود بأكثر من ثمنه كالمعدوم, كالرقبة وماء الطهارة. وتخالف العين حيث يجب ردها, وإن لزم في مؤنتها أضعاف قيمتها, فإنه تعدى فيها دون المثل. قال السبكي: وفي تصحيحه نظر لتعديه. الثالث: لو أسلم عبد لكافر, أمر بإزالة الملك عنه, ولو لم يجد من يشتريه إلا بأقل من ثمن المثل, مما لا يتغابن به; لم يرهق إليه; لأنه لم يلتزم بخلاف المسلم, والغاصب, والمديون. ولو اشترى الكافر عبدا مسلما. وقلنا. يصح, ويؤمر بإزالة الملك. قال ابن الرفعة: فلا يرهق للبيع بأقل. ويحال بينه وبينه إلى أن يتيسر من يشتريه بثمن مثله, أو يزيل ملكه عنه. كذا ذكره في المطلب, في فرع من غير نقل عن أحد. قال السبكي: وفيه نظر يحتمل أن يقال به, كما إذا أسلم في يده, وإن كنت لم أره منقولا أيضا; ويحتمل أن يقال: إنه بالشراء متعرض لالتزام إزالته. الرابع, الرقبة في الكفارة, لا يلزم شراؤها بأكثر من ثمن المثل, على المذهب, واختار البغوي خلافه. الخامس: إبل الدية, إذا لم توجد إلا بأكثر من ثمن المثل. لا يجب تحصيلها, بل يعدل إلى قيمتها, كذا جزم به الشيخان. وبحث بعضهم: أن يجري فيها خلاف الغاصب. قال البلقيني: ولعل الفرق, أن تعدي القاتل, إنما هو في النفس, وليست الدية مثل ما أتلف, بخلاف صورة الغصب, فإن المثلي مثل ما تعدى فيه, فأتلفه. قال: فلو كانت الزيادة يسيرة, فيحتمل الوجوب, ويحتمل خلافه, كالتيمم. قال: والأول أقرب. ومن نظائر هذه الفروع: لو طلب الأجير في الحج أكثر من أجرة المثل, لم يجب استئجاره; جزموا به. ومنها: لو لم يجد إلا حرة تطلب أكثر من مهر مثلها. جاز له نكاح الأمة على ما قاله المتولي, ووافقه آخرون, وصححه في الروضة من زوائده. وقال البغوي: لا ينكح الأمة. وقال الإمام, والغزالي: إن كانت زيادة يعد بذلها إسرافا: حلت الأمة, وإلا فلا. وفرقوا بينه وبين الماء في التيمم: بأن الحاجة إلى الماء تتكرر, وبأن هذا الناكح لا يعد مغبونا. وتشبه هذه الترجمة ما يجب نقله, وما لا يجب. وفيه فروع: الأول: المسلم فيه. يجب نقله إن كان قريبا. وفي ضبط القرب خلاف. الأصح: يجب نقله مما دون مسافة القصر. والثاني: من مسافة, لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلا. هذا في محل يجب التسليم, فلو طولب في غيره, فالأصح وجوبه, إن لم يكن لنقله مؤنة, والمنع إن كان. الثاني: القرض, وهو كالسلم فيما ذكر. الثالث: الغصب, وهو كالسلم أيضا, فيجب نقله مما ينقل منه المسلم إليه, ولو طولب بالمثل في غير بلد الإتلاف, كلف نقله. إن لم يكن له مؤنة, وإلا فلا. على الأصح. الرابع: المتلف بلا غصب, وهو كذلك. الخامس: إبل الدية, يجب نقلها إن قربت المسافة, لا إن بعدت. قال في الروضة وأصلها: وضبطه بعضهم بمسافة القصر. وقال الإمام: إن زادت مؤنة إحضارها مع القيمة على قيمتها في موضع الغرة: لم يلزم نقلها, وإلا لزم. وضبطه المتولي: بالحد المعتبر في السلم, وهو معنى ضبطه بمسافة القصر. فإنه الأصح فيه, كما سبق. فالحاصل: أن الفروع الخمسة على حد سواء. فرع: لو قال المغصوب منه: لا آخذ القيمة, بل أنتظر وجود المثل, فله ذلك", نقله في البيان. كذا في زوائد الروضة. قال: ويحتمل أن يجيء فيه الخلاف, في أن صاحب الحق إذا امتنع من قبضه, هل يجبر؟ ويمكن الفرق. انتهى. ونظيره في السلم: لو انقطع المسلم فيه فقال المسلم: اصبر حتى يوجد, وإلا افسخ, أجيب على الصحيح وفي القرض كذلك. وفي الدية: لو قال المستحق عند إعواز الإبل: لا أطالب الآن بشيء وأصبر إلى أن توجد. قال الإمام: فالظاهر أن الأمر إليه; لأن الأصل هو الإبل, ويحتمل أن يقال, لمن عليه أن يكلفه قبض ما عليه; لتبرأ ذمته. فالفروع الخمسة على حد سواء, في ذلك أيضا. فرع آخر: قال الإمام: لم يصر أحد من الأصحاب إلى أنه لو أخذ الدراهم, ثم وجدت الإبل يرد الدراهم, ويرجع إلى الإبل, بخلاف ما إذا غرم قيمة المثل في الغصب والإتلاف لإعواز المثل; ثم وجد, ففي الرجوع إلى المثل خلاف. والأصح فيهما أيضا, عدم الرجوع. وفي القرض: إذا أخذ القيمة في بلد, لا يلزمه فيها أداء المثل, ثم عاد إلى مكانه, لا رجوع أيضا, على الأصح. وكذا في السلم إن قلنا بأخذ القيمة في هذه الصورة. فهذه النظائر الخمسة قد استوت في الأحكام الثلاثة: وجوب النقل من قرب, دون بعد, وإجابة المستحق إلى الصبر وعدم الرجوع إن لم يصبر, وأخذ القيمة, واستواء السلم, والقرض, والغصب, والإتلاف على المختار في وجوب التحصيل بأكثر. من ثمن المثل. وفارقها في ذلك: الدية. فروع: من نظائر الفروع الخمسة المذكورة, في عدم الرجوع عند أخذ القيمة للتعذر: ما لو كان له يدان عاملتان ولم تعرف الزائدة, فقطع قاطع إحداهما, فلا قصاص. ويجب فيها: نصف دية اليد, وزيادة حكومة. فلو عاد الجاني, فقطع الأخرى, فأراد المجني عليه القصاص, لإمكانه حينئذ, ورد ما أخذه غير قدر الحكومة, فهل له ذلك؟ وجهان: أحدهما: لا لأنه أسقط بعض القصاص, فلا عود إليه. والثاني نعم; لأن القصاص لم يكن ممكنا, وإنما أخذ الأرش لتعذره لا لإسقاطه. كذا في الروضة وأصلها بلا ترجيح. قلت: أصحهما الثاني. قاعدة: كل المتلفات تعتبر فيها قيمة المتلف, إلا الصيد المثلي, فإنه تعتبر فيه قيمة مثله واختلف في الغصب والدية. وقد آل بنا القول إلى عقد فصلين مهمين. الأول: في التقويم. وسيأتي: أنه لا يكفي تقويم واحد, والذي يذكر هنا من أحكامه أمران: أحدهما أنه خاص بالنقد فلا تقويم بغير النقد المضروب, ولهذا لو سرق وزن ربع من ذهب خالص غير مضروب, كسبيكة, وحلي, ولا يبلغ ربعا مضروبا بالقيمة فلا قطع في الأصح, كما لو سرق من غير الذهب ما يساوي ربعا من المضروب, ولا يساويه من المضروب. وبنقد البلد في أكثر المواضع, بل كلها وإنما يقع الاختلاط في أي بلد يعتبر. وقد تقدم الكلام في الأمثلة وبقي الكلام في تقويم عروض التجارة. فإن كان المشترى به نقدا قوم به سواء كان نصابا أم دونه. وفي الثانية: وجه: أنه يقوم بغالب نقد البلد, وحكى قولا في الأولى, ولو ملكه بالنقدين, قوم بهما بنسبة التقسيط, أو بغير نقد: قوم بغالب نقد البلد. فإن غلب نقدان, واستويا فإن بلغ بأحدهما نصابا, دون الآخر: قوم به. وإن بلغ بهما: فأوجه: أحدها يقوم بالأغبط للفقراء, وصححه في المحرر والمنهاج. والثاني يتخير المالك, فيقوم بما شاء, وصححه في أصل الروضة, أخذا من حكاية الرافعي له عن العراقيين والروياني قال في المهمات: وبه الفتوى. والثالث يتعين التقويم بالدراهم; لأنها أرفق. والرابع يقوم بغالب نقد أقرب البلاد إليه. ونظير هذا الفرع: ما إذا اتفق العرضان, كمائتي بعير, واجبها: أربع حقاق. أو خمس بنات لبون. فإن وجد بماله أحدهما: أخذ, ولا يكلف الحقاق على المذهب, وإن فقدا, فله تحصيل ما شاء, ولا يتعين الأغبط على الأصح. وإن وجدا تعين الأغبط على الصحيح. ضابط: لا تقوم الكلاب إلا في الوصية على قول. ولا الحر, إلا في الجنايات, فيقدر رقيقا للحكومة. ولا الخمر والخنزير في الأصح. وفي قول: يقومان في الصداق, فقيل: يعتبر قيمتهما عند من يرى لهما قيمة. وقيل: يقدر الخمر خلا والخنزير: شاة. الأمر الثاني: إذا اختلف المقومون, بما يؤخذ؟ فيه فروع: منها: إذا شهد عدلان بسرقة, فقوم أحدهما المسروق نصابا, والآخر دونه, فلا قطع; للشبهة. وأما المال: فإن رضي بأقل القيمتين, فذاك, وله أن يحلف مع الذي شهد بالأكثر ويأخذه, ولو شهد بأنه نصاب, وقوم آخران بدونه, فلا قطع. ويؤخذ في الغرم بالأقل, وله مأخذان: أحدهما وهو الأظهر أن الأقل متيقن, والزائد مشكوك فيه, فلا يلزم بالشك. والثاني أن التي شهدت بالأقل, ربما اطلعت على عيب. ومنها: سئل ابن الصلاح عن ملك اليتيم, احتيج إلى بيعه, فقامت بينة بأن قيمته. مائة وخمسون, فباعه القيم بذلك, وحكم الحاكم بصحة البيع, ثم قامت بينة أخرى بأن قيمته حينئذ: مائتان فهل ينقض الحكم, ويحكم بفساد البيع؟. فأجاب بعد التمهل أياما, والاستخارة أنه ينقض الحكم; لأنه إنما حكم بناء على البينة السالمة عن المعارضة بالبينة التي مثلها, وأرجح. وقد بان خلاف ذلك, وتبين استناد ما يمنع الحكم إلى حالة الحكم, فهو كما قطع به صاحب المهذب من أنه لو حكم للخارج على صاحب اليد ببينة, فانتزعت العين منه, ثم أتى صاحب اليد ببينة, فإن الحكم ينقض لمثل العلة المذكورة, وهذا بخلاف ما لو رجع الشاهد بعد الحكم, فإنه لم يتبين استناد مانع إلى حالة الحكم; لأن قول الشاهد متعارض وليس أحد قوليه بأولى من الآخر ا هـ. ونازعه في ذلك السبكي في فتاويه, ومنع النقض. قال: لأن التقويم حدس وتخمين, ولا يتحقق فيه التعارض إلا إذا كان في وقت واحد.
وإن سلمنا المعارضة فهي معارضة للبينة المتقدمة, وليست راجحة عليها, حتى تكون مثل مسألة المهذب. وكيف ينقض الحكم بغير مستند راجح؟ ومعنا بينتان متعارضتان من غير ترجيح, فهو كما لو وجد دليلان متعارضان في حكم, ليس لنا أن ننقضه. ولا يقال: إن تعارض الدليلين مانع من الإقدام على الحكم, فيكون موجبا لنقضه; لأنا نقول: ليس كل ما منع الابتداء منع الدوام. وأيضا قد يكون ترجح عند الحاكم أحدهما, فحكم به لرجحانه عنده, وكما أنه لا يقدم على الحكم إلا بمرجح, لا نقدم نحن على نقضه إلا بمرجح, ولم يوجد. وقوله: وقد بان خلافه: ممنوع, لم يبن خلافه بل أكثر ما فيه إن أشكل الأمر علينا, ولا يلزم من إشكال الأمر علينا أن نوجب النقض. ثم نبه على أنه لو قامت بينتان متعارضتان, واحتاج اليتيم إلى البيع فالوجه أنه يجوز البيع بالأقل ما لم يوجد راغب بزيادة, بعد إشهاده, والقول قول القيم في أنه أشهده; لأنه أمين. قال: والقول قوله في أن ذلك ثمن المثل كما أن الوكيل وعامل القراض والبائع على المفلس إذا باعوا ليس لهم أن يبيعوا إلا بثمن المثل. ولو ادعى عليهم: أنهم باعوا بأقل من ثمن المثل, فالقول قولهم فيما يظهر لنا, وإن لم نجده منقولا; لأنهم منا. قال: ولا يرد على هذا قول الأصحاب: إن الصبي إذا بلغ وادعى على القيم والوصي بيع العقار بلا مصلحة, فالقول قوله. لأنا نقول: إنما يكلف القيم والوصي إقامة البينة على المصلحة التي هي مسوغة للبيع, كما يكلف الوكيل إقامة البينة على الوكالة. وأما ثمن المثل: فهو من صفات البيع, فإذا ثبت أن البيع جائز قبل قوله في صفته ودعوى صحته, ولا يقبل قول من يدعي فساده ا هـ. تنبيه: هذه المسألة: يصلح إيرادها في قاعدة التقويم كما صنعنا, وفي قاعدة "يغتفر في الدوام, ما لا يغتفر في الابتداء, وفي قاعدة تصديق مدعي الصحة. وفي فتاوى السبكي أيضا: أنه سئل عن رجل عليه دين مائتا درهم, ورهن عليه كرما وحل الدين وهو غائب, وأثبت صاحب الدين: الإقرار, والرهن, والقبض, وغيبة الراهن المديون, وندب الحاكم من قوم المرهون وثبت عنده أن قيمته مائتا درهم, فأذن في تعويضه للمرتهن عن دينه, ثم بعد مدة قامت بينة أن قيمته يوم التعويض ثلاثمائة, وكان يوم التعويض يوم التقويم الأول. فأجاب: يستمر التعويض, ولا يبطل بقيام البينة الثانية مهما كان التقويم الأول محتملا.
|